الفكر الأسطوري – مساهمة خارجية

2025-06-17

 من الأسطورة إلى المعنى:

الفكر الأسطوري كأداة مقاومة لحداثة مفرطة في المادية

بقلم د. فادي عمروش الرقمي

في عالم معاصر تسوده النزعة الأداتية والبراغماتية، يصبح الإنسان مُحاصَراً بنماذج معرفية تختزل الوجود في “النافع”، و”القابل للقياس”. في هذا السياق، يُمكن للفكر الأسطوري، كما قدّمه هنري فرانكفورت في كتابه Before Philosophy، أن يشكّل موقفاً معرفياً مقاوماً، لا بوصفه بديلاً علمياً، بل كإستراتيجية رمزية تُعيد وصل الإنسان بالعالم من خلال المعنى، لا فقط الفعل.


1. إعادة شخصنة الزمان والمكان

في الفكر الأسطوري، الزمان ليس خطاً مستقيماً، بل كينونة دائرية حيّة، تنبض بالحضور الرمزي.
كل يوم هو تكرار لولادة العالم، وكل رأس سنة هو عودة إلى زمن الأصل، زمن الخلق.
المكان بدوره، وبخاصة المعبد، ليس إطاراً خارجياً للحدث، بل تجسيدٌ له، يُعيد وقوعه ويستدعي حضوره. (فإذا عاش إله بأرض وأنشئ معبد, عاش نفس الإله في كل معبد)

بهذا الشكل، تتحول الحياة اليومية إلى طقس، والوجود إلى دراما مقدّسة.


2. مقاومة “نزع السحر” عن العالم

في مقابل نزعة الحداثة إلى “نزع السحر” عن العالم (Weber’s disenchantment)،
يُعيد الفكر الأسطوري للكون وظيفته الرمزية.
كل ظاهرة طبيعية ليست مجرد حادث فيزيائي، بل رسالة مشخّصة، تُقابلها الذات بالتأويل، لا بالتجريد.

هذا النمط من التفكير لا يهدف إلى تفسير ميكانيكي، بل إلى توليد المعنى.


3. مقاومة تفكك الذات الحديثة

الذات المعاصرة، كما وصفها تشارلز تايلور، مُفكّكة، منهكة، ومقطوعة عن جذورها الرمزية.
الفكر الأسطوري يقدّم سردية للذات من خلال التماثل مع بنى كونية كبرى:

  • الألم يصبح عبوراً في العالم السفلي
  • النجاح يمثل انتصاراً طقسياً
  • التكرار اليومي يتحوّل إلى شعيرة إعادة خلق

خاتمة

الفكر الأسطوري ليس هروباً من العقل، بل تحوّلاً في زاوية النظر.
هو استعادة للمعنى من قلب المادية، ومنح للإنسان إمكانية عيش حياته كجزء من حبكة كونية، لا مجرد منتِج في منظومة رأسمالية.

في زمن “الوظيفة” و”الأداء”،
الأسطورة تُعيد إلينا “الرمز” و”القيمة”.